Sunday, 29 November 2015

الإفخارستيا .. الغذاء السماوي لا الأرضي ج٢


لقراءة الجزء الأول اضغط هنا.


بلإضافة لما سبق من أقوال و اقتباسات عن حقيقة اشتراكنا في طبيعة الكلمة المتجسد في الجزء الأول من هذا البحث، فلنأخذ جولة في بعض الإقتباسات لمُعلم الأجيال الحقيقي، القديس أثناسيوس الرسولي، لنفهم معنى الشركة في الطبيعة الإلهية و التأله الذي نناله في المسيح يسوع بواسطة الروح القدس:

[أما بالنسبة للكائنات الآخرى التي قال لها "أنتم آلهة" (مزمور ٨٢: ٦)، فإنها حصلت على هذه النعمة من الآب و ذلك فقط بمشاركتها للكلمة عن طريق الروح القدس] (49)

[و كل الأشياء تشترك في الابن بحسب النعمة النابعة من الروح. و يتضح من هذه أن الابن نفسه ليس مشاركاً لشئ ما. و أما ما يشترك فيه من الآب، فهذا هو الابن- لأنه بإشتراكنا في الابن يقال عنّا أننا نشارك في الله. وهذا ما قاله بطرس: "لكي تصيروا مشاركين في الطبيعة الإلهية" (رسالة بطرس الثانية ١:٤) و كما يقول الرسول أيضاً "أما تعلمون أنكم هيكل الله" (رسالة معلمنا بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ٣: ١٦)] (50)

[بسبب نعمة الروح القدس المُعطاة لنا، نصير نحن فيه وهو فينا. وحيث إنه هو روح الله، فبسبب كونه فينا، نُعتبر بحقٍّ، إذ قد اقتنينا الروح، أننا في الله وكذلك أن الله فينا، غير أننا لا نكون في الآب بمثل ما يكون الابن في الآب ، لأن الابن لا يأخذ مجرَّد شركة في الروح القدس (كما نأخذ نحن) حتى يصير في الآب، بل ولا يُقال أصلاً إن الابن يأخذ الروح القدس، بل إنه هو الذي يعطيه، ولا يُقال إن الروح القدس يوحِّد الكلمة في الآب أصلاً بل إن الروح القدس يأخذ من الكلمة «يأخذ مما لي ويخبركم». فالابن في الآب مثل كلمته الخاصة ومثل شعاعه، أمَّا نحن فبدون الروح القدس نصير مفترقين وغرباء عن الله!! و لكن بشركتنا في الروح القدس نلتحم (نتحد) باللاهوت، لذلك فوجودنا في الآب ليس هو منَّا - بتاتاً - ولكنه من الروح القدس الذي فينا والذي يسكن داخلنا، الذي باعترافنا الحسن والحق نحتفظ به فينا، كما يقول يوحنا: «مَن اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه وهو في الله» (1يو 15:4).] (51)

[إذن، فالروح القدس الذي هو في الله ، الذي لا نستطيع أن نراه نحن في أنفسنا (أي هو كائن في الله و لسنا نحن بذواتنا)،  و كما أننا نحن أبناء وآلهة بسبب الكلمة الذي فينا، لذلك نحن سنصير في الابن و في الآب، و سنُحسب أننا صِرنا واحداً في الابن و في الآب، لأن ذلك الروح فينا نحن و هو الروح الذي يكون في الكلمة  الكائن في الآب.]  (52)

[و هكذا إذ نُختم فمن الطبيعي أن نصير " شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ" كما يقول بطرس (بطرس الثانية ١: ٤). و هكذا فكل الخليقة تشترك في الكلمة بالروح.] (53)

[و بالإضافة إلى ذلك فإنه يُقال عنا إننا "شركاء الله". لأنه يقول: " ألا تَعلَمُونَ أنَّكُمْ هَيكَلُ اللهِ، وَأنَّ رُوحَ اللهِ ساكِنٌ فِيكُمْ؟  فَإذا خَرَّبَ أحَدُهُمْ هَيكَلَ اللهِ، سَيُخَرِّبُهُ اللهُ، لِأنَّ هَيكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ، وَهُوَ أنتُمْ." (كورنثوس الأولى ٣:١٦-١٧) .
فلو كان الروح مخلوقًا، لما كان لنا اشتراك في الله بواسطته. فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق فإننا نكون غرباء عن الطبيعة الإلهية حيث إننا لم نشترك فيها. أمَّا الآن فلكوننا نُدعى شركاء المسيح و شركاء الله، فهذا يوضِّح أن المسحة و الختم الذي فينا، ليس من طبيعة المخلوقات بل من طبيعة الابن، الذي يوحِّدنا بالآب بواسطة الروح الذي فيه. هذا ما علّمنا إياه يوحنا-كما قيل سابقًا- عندما كتب:" بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ." (يوحنا الأولى ٤: ١٣). و لكن إن كنا بالاشتراك في الروح نصير " شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ" (بطرس الثانية ١: ٤)، فإنه يكون من الجنون أن نقول إن الروح من طبيعة المخلوقات و ليس من طبيعة الله. و على هذا الأساس فإن الذين هم فيه، يتألهون. و إن كان هو يؤله البشر، فلا ينبغي أن يُشَك في أن طبيعته هي طبيعة إلهية.] (54)

[فالكلمة يجعل الخليقة مجيدة بواسطة الروح القدس، و بمنحه إياها الحياة الإلهية و التبني فإنه يجذبها إلى الآب. و لهذا فإن الذي يربط الخليقة بالكلمة لا يمكن أن يكون واحدًا من المخلوقات. و الذي يمنح التبني للخليقة لا يمكن أن يكون غريبًا عن الابن. لأننا بغير ذلك يكون من الضروري أن نطلب روحًا آخر لكي به يمكن أن يرتبط هذا الروح بالكلمة. و هذا كلام غير معقول. لذلك فالروح ليس واحدًا من المخلوقات، بل هو خاص بألوهية الآب و الذي فيه يجعل الكلمة الأشياء المخلوقة تشارك في الطبيعة الإلهية. و لكن ذلك الذي فيه تشترك الخليقة في الطبيعة الإلهية لا يمكن أن يكون خارج ألوهية الآب.] (55)

واضح من الفقرات السابقة أن أثناسيوس ينسب عمل التأليه إلى الكلمة عن طريق الروح الروح القدس. و يتضح جدًا من كلام أثناسيوس أن الشركة ليست مجرد شركة إرادة أو عمل كما يدعي البعض، إطلاقًا، و لكنها شركة حقيقية في الكلمة عن طريق اقتناء الروح القدس و سكناه فينا، و بهذا ننال أيضًا مواهب الآب.

[فالمواهب التي يقسمها الروح لكل واحد تُمنح من الآب بالكلمة، لأن كل ما هو من الآب هو من الابن أيضاً. وإذن فتلك الأشياء التي تُعطى من الابن في الروح ( القدس ) هي مواهب الآب. وحينما يكون الروح ( القدس ) فينا، فالكلمة الذي يعطي الروح يكون ايضاً فينا، والآب موجود في الكلمة, وهكذا يكون كما قال: "سنأتي أنا والآب ونصنع عنده منزلاً " ( يوحنا ١٤ : ٢٣ ). لأنه حيث يكون النور فهناك الشعاع أيضاً. وحيث يكون الشعاع فهناك أيضاً فاعليته ونعمته المضيئة . وهذا هو ما علَّم به الرسول أيضاً حينما كتب إلى الكورنثوسيين في الرسالة الثانية قائلاً: "نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم " (كورنثوس الثانية ١٣: ١٣). لأن هذه النعمة والهبة تُعطى في الثالوث من الآب والابن في الروح القدس، وكما أن النعمة المعطاه هي من الآب والابن، هكذا فإنه لا يكون لنا شركة في العطية إلا في الروح القدس. لأننا حينما نشترك فيه تكون لنا محبة الآب ونعمة وشركة الروح نفسه] (56)

و هذا ما أكده مُعلم أجيال حقيقي آخر، و هو القديس كيرلس الكبير عمود الدين، إذ قال:
[من الخطأ أن نظن أن اتحادنا بالله لا يمكن أن يتجاوز مستوى توافق الإرادة معه. لأنه فوق هذا الإتحاد (اتحاد الإرادة) هناك اتحاد آخر أكثر سموًا و أكثر رفعة يتم بعطية اللاهوت للإنسان، فمع أن الإنسان يحتفظ بطبيعته الخاصة، إلَّا أنه يتحول بنوع ما إلى شكل الله نفسه، بمثل ما إذا وُضع الحديد في النار فإنه يكتسب كل خاصية النار مع بقائه حديدًا. فهو يبدو كما لو كان قد أصبح نارًا. فهذه هي طريقة الإتحاد بالله التي يطلبها الرب لتلاميذه الذين يقبلونه و يتحدون بجوهره الإلهي.] (57)

و لنسرد بعض الإقتباسات من كتابات القديس كيرلس أيضًا:

[و هو يلبس طبيعتنا و يعيد تشكيلها بإدماجها في حياته الخاصة. كما أنه هو نفسه أيضًا فينا، لأننا جميعًا قد صرنا شركاءه، بسبب وجوده فينا بالروح القدس. و لهذا السبب، إذ قد صرنا "شركاء الطبيعة الإلهية" (٢ بطرس ١: ٤)، و دعينا أبناء. و بهذه الطريقة يكون الآب نفسه فينا بالابن.] (58)

[الإبن الوحيد الذي أشرق علينا من نفس جوهر الله الآب، و الذي له في صميم طبيعته الآب الذي وَلَدَهُ، قد صار جسدًا بحسب الكتب و مزج نفسه بنوعٍ ما بطبيعتنا متحدًا بهذا الجسد الأرضي اتحادًا لا يُنطَق به. و هكذا الذي هو الإله بطبعه قد دُعيَ و صار بالحقيقة إنسانًا سماويًا لكي يوحِّد بنوع ما في نفسه الشيئَين المفترقَين جدًا عن بعضهما البعض بحسب الطبيعة و المتباعدَين جدًا عن أي تجانس بينهما (أي اللاهوت و الناسوت)، حتى يرفع بذلك الإنسان لمشاركة الطبيعة الإلهية. فقد وقلت إلينا نحن أيضًا شركة الروح القدس و حلوله، و قد ابتدأت بالمسيح و في المسيح أولًا لما صار مثلنا، أي انسانًا، و مُسح و قدَّس نفسه، مع كونه إلهًا بطبعه ... إذن فالسر الحاصل في المسيح قد صار لنا مثل بداية و طريق لاشتراكنا في الروح و لاتحادنا بالله.] (59)

[أما الذين ‏بالايمان بالمسيح يصلون الي البنوّة التي من الله، فإنهم يعتمدون ليس لمَنْ هو مخلوق، و إنما يعتمدون للثالوث القدوس نفسه، و بواسطة الكلمة كوسيط، الذي اتحد بما هو انساني أي بالجسد و في نفس الوقت هو واحد مع الأب بلاهوته، و هذا يجعلنا ‏نرتفع من رتبة العبودية إلي البنوة، ‏ و بالإشتراك الحقيقي في الابن، دعينا أن نرتفع الي كرامة ‏الإبن . لذلك فنحن الذين اخذنا الولادة الجديدة بالروح القدس بالإيمان قد دعينا أبناء لأننا ولدنا من الله] (60)
[إن تأكيده بأن "الكلمة حل فينا" ذو منفعة عظمى، لأنه بذلك يكشف لنا سرًا من أعمق ما يمكن. فإننا جميعًا كنا في المسيح، و الشخصية البشرية العامة تستعيد فيه الحياة. و لذلك فإنه يُدعى آدم الأخير، لأنه يُغني طبيعتنا المشتركة بكل ما يؤول إلى السعادة و المجد، كما أمدَّها آدم الأول بما يرول إلى الفساد و العار. لقد حلَّ الكلمة في الجميع بواسطة الواحد، حتى إذا ما تعيَّن هذا الواحد ابنًا لله بقوة من جهة روح القداسة (رومية ١: ٤)، تمتد هذه الكرامة إلى البشرية كلها، و بسبب الواحد منَّا يُدركنا القول: "أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ، وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ" (مزمور ٨٢: ٦)  ... أفلا يظهر بجلاء للجميع أنه نزل لمستوى العبد ليس لكي يربح من ذلك شيئًا لنفسه، بل لكي يُنعم علينا بشخصه فنغتني بافتقاره (كورنثوس الثانية ٨: ٩)، و نرتقي بمشابهتنا له إلى صلاحه الخاص الفائق، و نكون آلهة و أبناء لله بالايمان؟ لقد حلَّ الكلمة في الجميع بحلوله في هيكل جسده الواحد المأخوذ منا و لأجلنا، حتى يقتني الجميع في نفسه، فيُصالح الكل في جسد واحد مع الآب، كما قال بولس ( أفسس ٢: ١٦).] (61)
[إن الكلمة الذي من الآب يُرقِّينا إلى حد يجعلنا أن يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة الروح (القدس). و بذلك صار له الآن إخوةٌ مشابهون له و حاملون صورة طبيعته الإلهية من جهة التقديس. لأن المسيح يتصوَّر فينا هكذا: بأن يغيِّرنا الروح القدس تغييرًا جذريًا من صفاتنا البشرية إلى صفاته هو. و في ذلك يقول لنا بولس الطوباوي "وَ أَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ" (رومية ٨: ٩)، فمع أن الإبن لا يحوِّل أحدًا قط من المخلوقين إلى طبيعة لاهوته الخاص – لأن هذا مستحيل- إلا أن سماته الروحية ترتسم بنوعٍ ما في الذين صاروا شركاء طبيعته الإلهية بقبول الروح القدس، و بهاء لاهوته غير المفحوص يضئ مثل البرق في نفوس القديسيين.] (62)

[كما أن الخليقة في طبيعتها غير مؤلهة. إذًا فإن كان من غير الممكن أن نشترك في طبيعة الله أو نصير شركاء الطبيعة الإلهية، إلا فقط من خلال الروح القدس، فكيف يُعتبر الروح خارج الألوهة، ذاك الذي بذاته يجعل أولئك الذين يأتي إليهم، شركاء الطبيعة الإلهية؟!] (63)

[فهو يُرفَّع (فيلبي ٢: ٩) و يُمسح (مزمور ٤٥: ٧) ويقدَّس (يوحنا ١٧: ١٩)، من أجلنا نحن، حتى بواستطه تتدفَّق النعمة أيضًا في الجميع، بصفتها قد مُنحت فعلًا لطبيعتنا (فيه)، وبالتالي اذُّخرت لسائر جنسنا. وبهذا المعنى قال المخلِّص في إنجيل يوحنا: "وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ." (يوحنا ١٧: ١٩). فإن كل ما للمسيح صار لنا. فإنه لم يقبل هذا التقديس لأجله هو –إذ أنه هو الصانع التقديس– بل قِبله لكي يُوَصِّله لطبيعتنا بواسطة نفسه. وهكذا قد صار طريقًا وبداية للخيرات الحاصلة لنا، وبهذا المعنى قال:"أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ" (يوحنا ١٤: ٦)، أي الذي من خلاله تنحدر نحونا النعمة الإلهية، لكي تُرفِّع وتُقدِّس وتُمجِّد و تُولِّه طبيعتنا أولًا في المسيح!] (64)

[إن الذين يتجرأون على أن يقولوا أو يؤمنوا، بأن الروح القدس مخلوق، يكفرون كثيرًا. لأنه كما أن الإنسان، ليست روحه غريبة عن ماهيته. هكذا فإن الروح ليس غريبًا عن الله بالطبيعة و بالحقيقة، و إن كان يُدرك كموجود بذاته، أي مثل الآب ذاته، و بالطبع مثل الابن،  فمن المؤكد انه عندما يكون الروح داخلنا، يكون الابن داخلنا أيضًا، بسبب وحدة الجوهر بينهما و لأن الروح هو روحه بالطبيعة، و هذا ما يؤكده لنا المطوب بولس قائلاً: " الَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ.  وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ.  وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ" (رومية ٨: ٨-١٠). إذًا فهو يؤكد أن الروح يُدعى روح الله، و يُشير أيضًا إلى المسيح، بسبب وحدة الجوهر بينهما. إذًا عندما يوجد المسيح داخلنا، فكيف يمكن أن يكون روحه مخلوقًا، طالما أن الابن من حيث طبيعته هو إله، و واحد في الجوهر مع الآب؟!] (65)

[فإن كما يقول المخلص: " اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ" (يوحنا ٣: ٦). إذًا الروح بحسب الطبيعة إله، الذي يلد القديسيين مرة ثانية، باتحادهم مع الله، بأن يسكن فيهم، و يجعلهم شركاء في طبيعته. و هذا الذي هو قديس بسبب الشركة (مع الروح)، يُشبه إناءً للقداسة قد أصبح يمتلكه (الروح)، بينما هو قائم بطبيعته كإنسان.] (66)

[فلو كان الروح القدس عبدًا، كمخلوق، فكيف نصرخ به "يَا أَبَا الآبُ" ؟! لكنه حرر الذين حل فيهم من العبودية، و بالأحرى جعلهم أبناءً  أحرارًا، مُظهرًت إياهم شركاءً في طبيعته. فذاك الذي ليس بمخلوق، و الذي لا ينتمي لنظام أو طبقة العبيد، هو خاص بالجوهر الإلهي في كل الأحوال.] (67)

[إذن الروح هو الله ، الذي يعطينا ان نكون علي صورة الله، و هذا يأتي لا عن طريق "النعمة الخادمة" لكن ‏بالاشتراك في الطبيعة الإلهية ،مانحًا ذاته (الروح القدس) عينها للمستحقين.] (68)

[لقد دِينت الخطية إذ صارت مائتة في المسيح أولًا، و ستصير مائتة فينا نحن أيضًا، متى قبلنا حلول المسيح داخل نفوسنا بالإيمان و بشركة الروح القدس، الذي يجعلنا مشابهين للمسيح  (رومية ٨: ٢٩)، بتقديسنا بواسطة الفضيلة، لأن روح المسيح مخلِّصنا هو بمثابة صورته الخاصة ... غير أن الروح القدس يجب أن بُعتبر بحق هو الروح، و ليس هو الإبن، بل بالحري هو روح الإبن، إذ هو يعجن و يعيد تشكيل على صورة الإبن أولئك الذين يحل فيهم بالمشاركة، حتى إذا ما رأى الله الآب فينا ملامح ابنه الخاص اللائقة به، يحبنا نحن أيضًا كأولاد له، و يُشرق علينا بالكرامات الفائقة لهذا العالم!] (69)

و لعل الإقتباس القادم و الذي يليه يقدمان ردًا قويًا من القديس كيرلس ضد الذين ينكرون حلول الروح القدس بشخصه و حضوره الحقيقي و سكناه فينا و مشاركتنا بجوهره، بل يختذلونه كمجرد حلولاً لمواهبه. ما أعجب أن يُسلب الإنسان من النعمة التي اقتناها من الله!

[لو كانت النعمة المعطاة بالروح القدس شيئا منفصلا عن جوهره ، فلماذا لم يقل الطوباوي موسى بوضوح عن عند خلقة الكائن الحي (آدم) أن الله خالق الكل نفخ فيه "النعمة" بل قال " نسمة حياة " ؟ و لماذا لم يقل المسيح : " اقبلوا النعمة التي يستخدمها الروح القدس " ؟  لكنها دعيت بواسطة ذاك (موسى) "نسمة حياة" ، ﻷن طبيعة اللاهوت هي الحياة الحقيقية ، إن كان حقا أننا به " نحيا و نتحرك و نوجد" ( أع ١٧: ٢٨ ) . كذلك قيل بصوت المسيح " اقبلوا الروح القدس " .. و الروح القدس هو الله ، ﻷنه يغير شكلنا بحسب الله ، ليس كما بنعمة يستخدمها ، و لكن بأن يمنح بواسطة نفسه شركة الطبيعة اﻹلهية للمؤهلين لذلك .. فإن جبلتنا تتجدد بحسب صورة الروح القدس ، أي بحسب الله ، باﻹيمان و التقديس و اﻹرتباط به ، أعني إرتباط الشركة الذي نشعر به داخليًا، إن كنا حقا دعينا " شركاء الطبيعة اﻹلهية " .
لقد دعينا بل وصرنا هياكل الله (كورنثوس الأولى ٣ : ١٦ ، ١٧) بل و آلهة أيضا (يو ١٠ : ٣٥)، كيف يكون ذلك ؟  اسأل الذين يقاوموننا . إن كنا في الحقيقية نشترك في مجرد نعمة غير أقنومية ؟  و لكن ليس اﻷمر كذلك . فنحن هياكل للروح الحقيقي الكائن باﻷقنوم ، و قد دعينا بسببه آلهة ،  ﻷننا بعلاقتنا به صرنا شركاء الطبيعة اﻹلهية الفائقة الوصف !] (68)

[وبذلك يكون الروح القدس هو الله ومن الله بالطبيعة ونصبح نحن مستحقين بالايمان بالمسيح أن نكون شركاء الطبيعة الالهية (بطرس الثانية ١: ٤) ومولودين من الله ومدعوين آلهة وليس بفضل النعمة فقط وحدها نرتفع الى المجد الذى فوق طبيعتنا ، بل لأنه قد صار لنا سكنى الله واقامته فينا حسبما قيل بالنبى "انى سأسكن فيهم وأسير بينهم " (لاويين٢٦: ١٢،كورنثوس الثانية ٦: ١٦).] (70)

و هذا ما يؤكده القديس غريغوريوس النزينزي أيضًا قائلًا:
[إن الروح القدس لم يحل هُنا (أي يوم الخمسين) كمجرد قوة كما كان فيما سبق، وإنما يُمكن أن يُقال إنه بجوهره صار يُشاركنا ويُعايشنا. فقد كان لائقاً بعد أن عاش الابن في وسطنا جسدياً، أن يظهر لنا الروح أيضاً في هيئة جسمية] (71)

لأنه لا يُمنح لنا جزئيًا فقط (أي مجرد مواهبه)، بل يشاركنا و يعايشنا بجوهره كما قال القديس غريغوريوس..
و القديس كيرلس الكبير أيضًا يعود فيؤكد لنا قائلاً:
[الإنسان الذي طُرِدَ بسبب عصيانه، صار مقبولاً بالتبني، عندما نال البركة، من خلال المسيح، بشركة الروح القدس، الذي سمح أن ينسكب بغِنَي علينا، والذي لم يمنحه للقديسين جزئيًا، بل وضعه داخلنا بكل كماله.] (72)

 و هنا يجب التمييز (و ليس الفصل) بين الجوهر (أو الطبيعة أي الكيان الداخلي لله) من جهة، و بين قواه Energies، و أفعاله، أو أعمال قوته من جهة (73).
يقول الأب الأسقف كاليستوس وير:
"جوهر الله يعني كونه الآخر، أنا طاقاته فتعني قربه منا.
و لأن الله يفوق مداركنا، فلن نعرف أبدًا جوهره أو كيانه الداخلي. لا في هذه الحياة ولا في الدهر الآتي. فلو نحن عرفنا الجوهر الإلهي، لتبع ذلك أننا نكون قد عرفنا الله بنفس الطريقة التي يعرف بها ذاته، و هذا مستحيل بالمرة، طالما أنه هو الخالق و نحن مخلوقون. لكن، و بينما الجوهر الداخلي لله يظل إلى الأبد فوق إدراكنا، فإن طاقاته، و نعمته و حياته و قوته تملأ الكون كله، و يمكن أن نحصل عليه مباشرة.
إذن فالجوهر يعني سمو الله سموًا جذريًا، بينما تدل طاقاته على حلوله و حضوره في كل مكان. و حين يتحدث الأرثوذكس عن الطاقات الإلهية، فهم لا يعنون بذلك انبثاقًا من الله، أو "وسيطًا" بين الله و الإنسان، أو "شيئًا" أو "هبة" يمنحها الله. على العكس، فإن الطاقات هي الله ذاته في فعله و كشفه لذاته. فحين يعرف الإنسان الطاقات الإلهية أو يشترك فيها، فإنه يعرف الله حقًا ويشترك فيه هو نفسه، بقدر ما يكون ذلك ممكنًا لدى الكائن المخلوق. لكن الله هو الله، و نحن بشر؛ و هكذا، فبينما هو يملكنا فإننا لا نستطيع أن نملكه بنفس الطريقة.
و تمامًا مثلما يكون من الخطأ أن نفكر في الطاقات "كشيء" ممنوح لنا من الله، هكذا و بنفس القدر يكون من الأمور المضللة أن نعتبر الطاقات "كجزء" من الله. الله بسيط غير قابل للإنقسام، ليس فيه أجزاء. و يشير الجوهر إلى الله بالكامل كما هو في ذاته؛ أما الطاقات فتشير إلى الله بالكامل كما هو في فعله. و الله بكليته حاضر بالكامل في كل طاقة من طاقاته الإلهية. هكذا فإن التمايز بين الجوهر و الطاقات هو طريقة للتعبير في وقت واحد عن الله "بالكامل" لا يمكن الدنو منه، و أن الله "بالكامل" في محبته المتدفقة قد جعل نفسه في متناول الإنسان  لكي يعرفه الإنسان.
و بفضل هذا التمايز بين الجوهر الإلهي و الطاقات الإلهية، نستطيع أن نؤكد إمكانية إتحاد مباشر أو سري (مستيكي) بين الإنسان و الله- أو ما يسميه الآباء الشرقيون بالتأليه –تأليه الإنسان – theosis  (ثيوسيس) – لكننا في نفس الوقت نستبعد أي تعليم بوحدة الوجود (أي يكون الله و المخلوقات شيئًا واحدًا)   Pantheism  بين الإنسان و الله؛ ذلك لأن الإنسان يشترك في طاقات الله، لا في الجوهر. هناك اتحاد، لكن ليس اندماجًا أو خلطًا. فعلى الرغم من أن الإنسان يتوحد أي  يصير واحدًا مع الله، إلا أنه يبقى إنسانًا، فهو لا يُبتلع ولا يُباد، لكن تظل فيما بينه و بين الله على الدوام علاقة "أنا-أنت" أي علاقة شخص بشخص." (74)

[أنا لست إلا إنسانًا  مشتركًا في النعمة الإلهية. أما أنت فالله.] (75)
القديس غريغوريوس النزينزي

و ما هي النعمة الإلهية إلا الروح القدس المعزي!
"ذَاكَ (أَي رُوحُ الْحَقِّ) يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ" (يوحنا ١٦: ١٤-١٥).
يُلخص لنا العلامة ديديموس الضرير عمل الروح القدس و المجد الذي نناله باشتراكنا فيه فيقول:
[كل من يتصل بالروح القدس، ففي نفس اللحظة هو يتقابل مع الآب و الابن. و كل من يشترك في مجد الآب، فأن هذا المجد في الواقع هو ممنوح له من الابن بالروح القدس.] (76)

هذا هو مجد الإلوهة الذي يُوهَب لنا، وهو كعملٍ إلهيٍّ مباشرٍ، لم يصدر عن نعمة، و لذلك، الأصل و المصدر ليس النعمة، بل الأقنوم.  و لكن قبول ما يُعطى هو ما يجب أن يقال إنه نعمة؛ لأنه لا ينتمي إلى الطبائع المخلوقة، ولا يمتُّ للإنسانية بصلة، بل هي التنازل الإلهي والعطاء (77).
فالنعمة ليست فقط استعلان الله للإنسان بواسطة كلمته اللوغوس، بل هي قدرة الإنسان نفسة في الشركة في هذا الاستعلان و حرية الاختيار له، إن معرفة الانسان لله من خلال الكلمة اللوغوس، لوثيق الصلة بشركة الانسان في حياة الله الابدية أي بنعمة التالُّه، و لهذا النعمة تشمل كلا من معرفة الله و حياة عدم الموت، و بهذا تتحقق الخطة التي قصدها الخالق للإنسان، الذي خلق على غير الفساد أي الخلود (78).
ولذلك علينا أن نفهم ونتأكد أن "النعمة" ليست اسمًا بلا مضمون، أو هي مجرد استعارة، لكنها علاقة كيانية، وهي علاقة ترفع الإنسان إلى مستوى البنوة (79).
لقد صار مثلنا لنصير مثله كما يقول القديس إيرينيئوس:
[كلمة الله ربنا يسوع المسيح الذي من أجل حبه الفائق صار على حالنا حتى يجعلنا نحن نصير على حاله هو.]  (80)

لقد نُلنا لقب البنوة لا كلقب فقط، و لكن كحقيقية تامة ناتجة عن اتحاد حقيقي و شركة حقيقية تؤدي لعلاقة حقيقية.
"أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ." (يوحنا ١: ١٣)

و لهذا نصلي في الصلاة الربانية قائلين "يا أبانا" ولا نقول "يا آب"، فهو بالحقيقة قد صار أبانا بأبوته الحقيقية لنا .. يقول القديس إيرينيئوس:
[أنه بأية كيفية كان يمكن أن نصير شركاء في التبني إن لم نكن قد نُلنا من الآب من خلال الابن هذه العلاقة التي تجعلنا ننتمي إليه و إن لم يكن الكلمة قد تجسد و دخل في شركة معنا؟] (81)

و لعل من أجمل التشبيهات التي شبه به الرب يسوع علاقتنا الكيانية به و تأمل فيها الآباء تأملات رائعة شارحين شركتنا في الطبيعة الإلهية هو:
"أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً." (يوحنا ١٥: ١-٥).

[لكي يُظهِر (المسيح) لنا أنه يليق بنا أن نحبه ونتمسك بمحبتنا له، فما أعظم المنفعة التي نجتنيها من التصاقنا به، يقول بأسلوب تصويري إنه هو الكرمة، وأن الأغصان هم الذين اتحدوا به وثبتوا فيه وتأصَّلوا بنوعٍ ما فيه، بل وصاروا شركاء طبيعته الخاصة بشركة الروح القدس. فإنَّ الذي يوحِّدنا بالمسيح مخلِّصنا إنما هو روحه القدوس... و كما أن أصل الكرمة يخدم الأغصان ويُوفِّر لها التنعُّم بنفس صفاته الطبيعية الخاصة المذخرة فيه، هكذا أيضاً الوحيد كلمة الله يُضفي على القدِّيسين نوعاً من القرابة أو النسب مع طبيعته الخاصة، التي هي أيضًا طبيعة الله الآب، وذلك بإعطائهم الروح القدس...  فإن المخلِّص نفسه يقول: "من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت فيَّ و أنا فيه" (يوحنا ٦:٥٦) و هنا يليق بنا أن نلاحظ على وجه الخصوص، أن المسيح يقول إنه سيكون فينا، ليس فقط بارتباط يتم عن طريق العواطف، بل أيضًا بمشاركة كيانية. فكما أنه إذا عجن أحد قطعة شمع بقطعة أخرى و صهرهما بالنار يجعلهما واحدًا، هكذا أيضًا بواسطة الشركة في جسد المسيح و دمه الكريم يكون هو فينا و نحن أيضًا نكون فيه متحدين... فهو يُدسم نفوسنا ويرويها بنعمة الروح القدس المُحيية والمُبهجة، وذلك حينما نكون ثابتين فيه كمثل الأغصان، بواسطة المحبة والإيمان ] (82)
القديس كيرلس الكبير

لاحظوا كيف أكد عمود الدين أن علاقتنا بالله ليست مجرد علاقة عواطف و مشاعر، بل هي علاقة كيانية حقيقية كثبات الأغصان في الكرمة. فالرب يسوع يغذينا لاهوته كمثل الأغصان التي تتغذى بواسطة الكرمة. الرب يسوع اتحد بنا اتحادًا حقيقيّ و جَعَلَنا مشاركي طبيعته الإلهية و أمتلئنا فيه من اللاهوت..  و القديس هيلاري أسقف بواتيه يعلنها صراحةً:
 [الغصن الذي يثبت في الكرمة تكون له حتمًا طبيعة الكرمة الحقيقية.] (83)
و في تعليقه على  "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا.وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ"  (كولوسي ٢: ٩، ١٠):
[بعد أن أوضح (بولس الرسول) أن المسيح يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديًا، ينتقل مباشرةً إلى سر اتحادنا نحن إذ يقول: "و فيه أنتم مملوؤون". فكما أن كل ملء اللاهوت يحل فيه، هكذا أيضًا و نحن فيه نكون مملوئين. و الرسول لا يقول فقط: "و أنتم مملوؤون"؛ بل "و فيه أنتم مملوؤون"] (84)

هل لم يتضح الأمر بعد بما فيه الكفاية ؟!
الكرمة الحقيقية التي أصبحنا من نفس طبيعتها و أصبحت مصدر غذائنا و تمدنا بالروح القدس الذي يثبتنا فيها من خلال الإيمان و المحبة، و نمتلئ بواسطتها من اللاهوت الذي ليس لطبيعتنا الحقيرة أن تحتمله، و لكن فيه، أي في يسوع المسيح، أصحبنا قادرين على استقبال نعمة اللاهوت المُعطاة لنا كي نحيا إلى الأبد كأبناء (بالتبني) للآب في ملكوته، و كآلهة (بالنعمة)، و نرث مع الابن الحقيقي (الوحيد بالطبيعة). هذه هي إرادته أن يُلبسنا ثوب لاهوته كما يقول القديس مقاريوس الكبير:
[لأن مجيء الرب كان كله لأجل الإنسان - الإنسان الذي كان مطروحاً ميتًا في قبر الظلمة والخطية والروح النجس والقوات الشريرة - لكي يقيم الإنسان ويحييه في هذه الحياة الحاضرة ويطهره من كل سواد وظلمة، وينير بنوره الخاص، ويلبسه ثوبه الخاص، أي الثوب السماوي الذي هو ثوب اللاهوت.] (85)

هذه هي غاية التجسد!!
 أن يؤلهنا فيه هو و يشركنا في لاهوته لكي نتمجد معه! لقد أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له، و صار مثلنا لنصير على حاله.

مما سبق، يمكننا أن نشرح ما قاله القديس يوحنا الرسول بعبارة "نكون مثله" (مع التأكيد أن "مثله" لا تعني المساواة إطلاقًا):
"اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ." (رسالة معلمنا يوحنا الأولى ٣: ١-٢)
"الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي ٣: ٢١)

و يظهر فعلًأ أننا مثله و اشتركنا في طبيعته الإلهية، إذ يقول:
"ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلَا يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ»." (يُوحَنَّا ٨: ١٢)

و من له نعمة نور العالم فهو نوٌر للعالم أيضًا، فيعود السيد و يقول عنا أيضًا أننا نور العالم مثلما قال عن نفسه:
"أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ. لَا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ، وَلَا يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ" (مَتَّى ٥: ١٤-١٦)

لأننا نصير مثله و على حاله، فقد قال لنا أيضًا أنتم "نور العالم"، متشبهينَ به كالنور الحقيقي الذي ينير للعالم طريق الحياة. فقد أخذ الذي لنا و أعطانا الذي له (ثيؤطوكية الجمعة). ليس لأننا بطبيعتنا نورٌ مثله، و لكن لأننا لبسنا من هو بطبعه نور و حياة، فقد أصبح مصدر النور داخلنا، و يشع منا نوره الإلهي بأعمالنا الصالحة قدام الناس، و لذلك لا يمجدوننا نحن، بل يمجدوا أبانا، مصدر النور، الذي في السموات. يقول القديس غريغوريوس النيسي:
[أنار الطَّبيعة المظلمة و أرسل شعاعَ أُلوهيته على مُرَكّبِنا، أعني النفس و الجسد، و أشرك العنصر البشريّ كلَّه في نوره الذاتيّ و حوَّله، بهذا التّمازُج، إلى ما هو عليه] (86)

كما يُعلمنا القديس إيرينيئوس:
 [اِتّباع المُخَلِّص هو اشتراك في الخلاص، واِتّباع النور هو اشتراك في النور.] (87)

و لذلك لسنا نفتخر بذواتنا و بالنور الذي يشع منا، إطلاقًا، و إلا فافتخارنا باطل، بل نفتخر بمن يمنحنا الذي له:
"حَتَّى لاَ يَفْتَخِرَ أَيُّ بَشَرٍ أَمَامَ اللهِ. وَبِفَضْلِ اللهِ صَارَ لَكُمْ مَقَامٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي جُعِلَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً، حَتَّى إِنَّ مَنِ افْتَخَرَ، فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ، كَمِا قَالَ الْكِتَابُ." (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ ٱلأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ ١: ٢٩-٣٩)

فإن إرادة الله منذ البدأ كانت أن نَتَقدَّس بالروح و نشاركه حياته الإلهية:
"مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ" (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ ١: ٣-٥)
"المُختارينَ حَسَبَ عِلْمِ اللهِ الآبِ المُسبَقِ، لِتَكُونُوا مُقَدَّسينَ فِي الرُّوحِ" (رسالَةُ بُطرُسَ الأُولَى ١: ٢)

قد صار لنا بكرًا و مثالاً نتبعه :
"فَهَذا ما دَعاكُمُ اللهُ إلَيهِ: أنْ تَقْتَدُوا بِالمَسِيحِ الَّذي تَألَّمَ مِنْ أجلِنا، فَتَرَكَ لَنا مِثالاً لِكَيْ نَتْبَعَهُ"  (رسالَةُ بُطرُسَ الأُولَى ٢:٢١)

لأننا سنصير مثله و مشابهين صورة ابنه، و سيصبح جسدنا جسدًا إلهيًا كالكلمة كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي:
[و كما أننا نحن جميعًا من الأرض و في آدم نموت هكذا نحن إذ نولد من فوق من الماء و الروح فإننا في المسيح نحيا جميعًا.  فلا يعود الجسد فيما بعد أرضيًا بل يصير إلهيًا كالكلمة، و ذلك بسبب كلمة الله الذي لأجلنا صار جسدًا.] (88)

و بالمثل القديس مقاريوس الكبير:
[فمثل هذه النفس تصير سيدة ومتولية على كل خيرات الرب وحتى جسد مجد لاهوته يصير لها.] (89)
  
هكذا أيضًا يقول القديس ساويرس الأنطاكي:
[الذي خلق و كوَّن جاء ليصلح و يخلق من جديد، ليست خليقة أخرى، لكن تلك الخليقة التي سقطت و خضعت لفساد الخطية، و ذلك بواسطة التجسد الإلهي، حينما ألقى بنفسه مثل الخميرة في كل مجموع الجنس البشري، و صار آدم الثاني، و خلصنا بقيامته و جعلنا  نعبر من الحالة الأرضية الزائلة إلى الحياة السمائية الغير فاسدة. أفلا تشعرون انكم تحرمون البشر من الخيرات التي من هذا النوع و تجعلونهم غرباء عن هذا التجسد الذي يعين من سقطوا ؟ أتظنون أنه يمكن أن يصيب جسدنا دنس و هو متحد بالله الكلمة ؟ انه لا يوجد سوى شئ واحد يمكن أن يدنس، انه فساد الخطية.] (90)

و القديس يوحنا ذهبي الفم:
[فحينما تسمع أن ابن الله هو ابن داود بن إبراهيم، تيقَّن أنك أنت يا ابن آدم ستصير ابنًا لله. فليس جزافًا أو باطلًا قد وضع نفسه إلى هذا الحد، إلَّا لأنه كان ينوي أن يرفعنا معه إلى فوق! فإنه قد وُلد بحسب الجسد لكي تولَد  أنت حسب الروح ... فكما إذ وقف أحد بين شخصين منفصلين، و مدَّ يديه من الناحيتين لكي يوحِّدهما معًا،؛ هكذا فعل هو ليوحِّد العهد القديم بالجديد، و الطبيعة الإلهية بالبشرية، و الذي له بالذي لنا.] (91)

و القديس كيرلس الأورشليمي:
[لما اعتمدتم للمسيح ولبستم المسيح، صرتم ”مشابهين صورة ابن الله“ (رومية ٨: ٢٩) لأن الله إذ سبق وعيَّننا للتبِّني (أفسس ١: ٥)، جعلنا ”مشابهين صورة جسد مجد المسيح“ (فيلبي ٣: ٢١) وأنتم صرتم ”شركاء المسيح“ (عبرانيين ٣: ١٤) ولذلك دُعيتُم بحق ”مسحاء  “، فإن الله يقول عنكم: “لاتمسوا مسحائي.” (مزمور ١٠٥: ١٥) لقد صرتم مسحاء لأنكم قبلتم رسم الروح القدس، وكل شيء قد تم فيكم على صورة ما حدث للمسيح،  لأنكم صرتم صورًا للمسيح. أما هو فلما اغتسل في نهر الأردن، ووهب المياه رائحَة لاهوته، صعد منها وظهر الروح القدس حالاًّ عليه بجوهره، إذ أن المثيل يستريح على المثيل. وأنتم أيضًا بشبه ذلك لما صعدتم من جرن الماء المقدس قد نلتم مسحة هي صورة لتلك التي مُسِح بها المسيح، وهذا هو الروح القدس.] (92)

و كعادة القديس مقاريوس، يشرح الأمور التي تبدو مُعقدة ببساطة و روحانية عالية جدًا، فيقول عن هذه الولادة الجديدة في المعمودية:
[و في النهاية جاء هو بنفسه و استهان بعار الصليب و احتمل الموت. و كان كل جهده و تعبه هذا و عنايته انما من أجل أن يلد من ذاته، و من طبيعته أولادًا بالروح، إذ سر بأنهم يجب أن يولدوا من الروح من فوق، أي من نفس لاهوته. وكما أن أولئك الآباء الذين لا يلدون أولادًا فإنهم يحزنون كذلك فإن الرب الذي أحب جنس البشر لأنهم صورته، أراد أن يلدهم من زرع لاهوته الخاص، هكذا فإن أي واحد منهم لا يأتي إلى هذه الولادة لكي يولد من بطن روح اللاهوت، فان حزن المسيح يكون عظيمًا بعد كل الآلام التي عاناها لأجلهم و احتملها كثيرًا لكي يخلصهم. لأن الرب يريد أن ينال كل الناس امتياز هذه الولادة. فهو مات لأجل الكل و دعا الكل إلى الحياة. و لكن الحياة هي الولادة من فوق من الله و بدون هذه الولادة لا تستطيع النفس أن تحيا. كما يقول الرب "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يوحنا ٣: ٣). و هكذا، فمن الناحية الأخرى، فإن كل الذين يؤمنون بالرب و يأتون و يقبلون امتياز هذه الولادة، فإنهم يكونون سبب فرح و سرور عظيم في السماء لوالديهم الذين ولدوهم، وكل الملائكة والقوات المقدسة أيضًا تفرح بالنفس التي تولد من الروح وتصير هي نفسها روحًا.
فإن هذا الجسد هو مثال و مشابه للنفس، و النفس هي صورة الروح، و كما أن الجسد بدون النفس ميت، ولا يستطيع أن يفعل شيئًا بالمرة، كذلك فانه بدون النفس السماوية - أي بدون الروح الالهي تكون النفس ميتة عن الملكوت ولا قدرة لها على أن تعمل شيئاً من أمور الله بدون الروح.] (93)

[هكذا أيضًا الطبيعة البشرية، فإن بقيت عارية وبنفسها فقط، ولم تنل الاتحاد والشركة مع الطبيعة الإلهية، فإنها لا تستقيم أبدًا أو تكتمل، بل تظل عارية ومستحقة للُّوم في طبيعتها الخاصة بسبب وضاعتها وأدناسها. فإن النفس ذاتها دُعيت هيكلاً لله ومسكنًا له، وعروسًا للملك. فإنه يقول: "إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم". هكذا كانت مسرة الله، أن يأتي من السماء المقدسة، ويأخذ طبيعتك العاقلة، فقد أخذ جسدًا من الأرض، ووحَّده بروحه الإلهي، حتى تستطيع أنت أن تنال الروح السماوي. وحينما تصير لنفسك شركة مع الروح وتدخل الروح السماوي في نفسك، فحينئذ تكون إنسانًا كاملاً في الله، ووارثًا وابنًا.] (94)
القديس يوحنا ذهبي الفم

 نستنج مما سبق، أننا إذ ولدنا من الماء و الروح في سر المعمودية المقدس، فإننا نلبس المسيح و ترتسم صفاته الروحية فينا بالروح القدس، كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
[الـذين لبسـوا المسيح في المعموديـة لم يلبسـوا لاهوتــه فقط ولا ناسـوته فقط (أي جسده)، بل الاثنين معًا] (95)
"الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (رومية ١٣: ١٤). و كما شرح ذهبي الفم، أن في هذه الآية لا مجال لحديث عن الناسوت دون اللاهوت ، ولا عن اللاهوت دون الناسوت.

فعندما نلبس المسيح، فإن جسدنا يتمجد و يرتقي، فيقول القديس كيرلس الأورشليمي:
[بالرغم من انحلال الجسد على مدى الزمن ثم الموت، فإنَّ الجسد المُمجَّد سوف يظل يحيا، لكونه نال الحياة والخلقة الجديدة في سرِّ المعمودية، وتغذَّى أثناء حياته على الأرض بسرِّ الإفخارستيا الذي يَهَب ”الحياة الأبدية لكل مَن يتناول منه“ (سر الاعتراف الأخير في القدَّاس الإلهي). وهكذا سوف يتسربل بالمجد في اليوم الأخير.] (96)

و القديس كيرلس الكبير:
[فجسد المسيح ودمه المقدسان هما معطيان للحياة. و كما قلت فهذا الجسد ليس جسد إنسان ما يشترك في الحياة بل بالحري هو نفس جسد الحياة حسب الطبيعة. و بوضوح هو جسد الابن الوحيد.] (97)

فتلك الطبيعة الجديدة التي ننالها، تُثبَّت بسر الإفخارستيا المقدس. فالآباء قد نادوا بشركتنا في الطبيعة الإلهية من خلال شركتنا في جسد و دم الفادي المخلص كما ذكرنا.

فيا لعظمة و رهبة هذا السر العظيم !!
لقد تجسد وتأنس وعلمنا طرق الخلاص. وأنعم علينا بالميلاد الذى من فوق بواسطة الماء والروح. وجعلنا له شعبًا مجتمعا، وصيرنا أطهارا بروحك القدوس. هذا الذي أحب خاصته الذين في العالم، وسلم ذاته فداءً عنا، إلي الموت الذي تملك علينا، هذا الذى كنا ممسكين به، مبيعين من قبل خطايانا (كما نصلي في القداس الباسيلي) .. و من أجل تحنناته الجزيلة جعلنا أهلا كلنا للبنوة، بالمعمودية المقدسة (كما نصلي في قسمة القداس الغريغوري)..

أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلَّذِي فِيكُمُ، ٱلَّذِي لَكُمْ مِنَ ٱللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ؟ (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ ٱلأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ ٦: ١٩)..
 آه إن أدركنا سمو أجسادنا الآن، التي اتحدت بجسد المخلص و أصبحت أعضاء جديدة و "متألِّهة" !!
أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟  (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ ٱلأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ ٦: ١٥)..
يا للخجل من وقوعنا في الخطية و نحن جسد المسيح و هيكله !!
"إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ" (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ ٱلأُولَى إِلَى أَهْلِ كُورِنْثُوسَ ٣: ١٧)..

يقول القديس سمعان اللاهوتي:
[لقد منحتني أيها السيّد أن يتحد هيكلي هذا الفاسد – أي جسدي البشريّ- بجدسك المقدَّس، و أن يمتزج دمي بدمك... مفتون أنا خارج نفسي، و أرى نفسي –يا للعجب- في الحالة التي صرتُ إليها. أخاف من نفسي و أخجل معًا، و أجلُّك و أخافك، ولا أدري أين أختبئ، ولأي غرض أستعمل هذه الأعضاء الجديدة، الرهيبة و المتألِّهة.] (98)

و الآن، فإن أتاك الشيطان يومًا بخطية، تقول له:
"اذهب عني بعيدًا، فلست أنا لك.. أنا بيت الله، أنا مسكن لله.. أنا موضع مقدس للرب..
أنا الذي يقرع الله علي بابي لكي أفتح له.. أنا هيكل للروح القدس..
أنا الذي يأتي إلي الآب و الابن، و عنده يصنعان منزلًا.. أنا مسكن للثالوث القدوس..
هل أنا شيء هين، يمكن أن ينجسه الشيطان؟! كلا، أنا سماء ثانية.. عرش لله يجلس عليه.." (99)


و قبل أن أختم المقال، أود أن أؤكد مرة أخرى بأنه لا يجب أن ننزعج من كلمة "تأله"، فهذا لفظ آبائي أصيل استخدمه آباء الكنيسة بلا خوف و كان عصب اللاهوت الشرقي.
فقد جاء اللاهوت الشرقى فى القرون الأولى مُلَخَصًا فى العبارة المشهورة التى كررها كثير من الآباء وإن كان بأسلوب مُختلف:"صار الله إنسانًا، لكى يصير الإنسان إلهًا"(100).

و لنخلص كل ما سبق في هذه الأسطر القليلة المُقبلة ...

يقول الأب تادرس يعقوب في شرحه للتأله في الفكر اللاهوتي الشرقي قائلاً:
"يرى كثير من الدارسين أن عصب اللاهوت الإسكندري يتركز في التأله أو نعمة التجديد، و يقصد بالتأله تجديد الطبيعة البشرية ككل لتكتسب سمات ربنا يسوع المسيح، فتحل تلك السمات محل طبيعتنا الفاسدة، و يستمتع المؤمن بشراكة الطبيعة الإلهية  بط ١:٤)" (101)
و يقول أيضًا:
"التأله بحسب اللاهوت الإسكندري يعني عودة الإنسان بكليته إلى أصله كصورة الله، بالشركة في الطبيعة الإلهية. التأله ليس تصحيحًا لنفس الإنسان فحسب و إنما لكل الطبيعة الإنسانية، اي إصلاح نفسه و ذهنه و جسده و إرادته الخ ..." (102)

و يصف الأب باسيليوس المقاري التأله وصفًا أوَّليًا فيقول:
"هو عمل الله المثلث الأقانيم، القوي و المقدِّس، الذي من خلال حلول الثالوث و النعمة في الإنسان، و بسبب القدرة الطبيعية التي مُنحت للخليقة لتتجلى أي لتكشف مجد صورة الله التي فيها، يمكن للشخص المؤمن أن يبلغ إلى التمثُّل و الإقتداء بالله، بتوسُّط الكلمة المتجسد، المسيح ضابط الكل، و بالروح القدس" (103)

و يقتبس الأب أنتوني كونيارس في إحدى مقالاته عبارة توضح بأنه من السهل أن تشوش "التأله" المسيحي ببعض من الأفكار الوثنية التي سبقته، و بناءً على ذلك ترفض المعنى المسيحي بسبب الصفات السيئة التي للمعنى الوثني. لكن آباء الكنيسة الأولى لم يُشوشوا هكذا بكل سهولة، ربما لأنهم كانوا بالقرب من مصادر التشويش (معاصرين للوثنية)، و بالتالي كان لزامًا عليهم أن يبينوا التمايز و الإختلاف بشكل واضح (104).

و لنؤكد مرة أخرى بأن مفهوم التأله (الإتحاد بالله) أو الشركة في الطبيعة الإلهية في الفكر الأرثوذكسي لا يلغي كيان الإنسان أو طبيعته، ولا يرفعه إلى درجة الألوهة، فالإتحاد و الشركة هي لاكتساب مواهب و فضائل و إلغاء ضعفات و خطايا، لأنه أخذ الذي لنا و أعطانا الذي له (ثيؤطوكية الجمعة)، و ليس لإمتلاك طبيعة الله أو أقانيمه، فالله يظل آخر بالنسبة للإنسان بالرغم من امتلاك الله للإنسان و حلوله فيه، و بالرغم من ملئه للإنسان إلى ملء قامة المسيح "الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ ٱلأُولَى إِلَى أَهْلِ أَفَسُسَ ١: ٢٣)، بل و بالرغم من حصول الإنسان بسبب هذا الإتحاد على حالة التبني (105).
فنحن نصير "شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ" (رِسَالَةُ بُولُسَ ٱلرَّسُولِ ٱلأُولَى إِلَى العِبْرَانِيينَ ٣: ١٤) و "شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ" (رِسَالَةُ بُطْرُسَ ٱلرَّسُولِ الثَّانِيةِ ١: ٤) ليس بمعنى أن تتغيَّر طبيعتنا إلى طبيعة الله؛ بل بمعنى أنه يحل هو فينا بحسب قوله: «أَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ» (يوحنا ١٤: ٢٠) ، فيهبنا شركة في صفاته الخاصة (106).
  
و أخيرًا يا أحبائي، لا تنخدعوا بالفكر المادي الجسدي عن سر الإفخارسيتا المقدس، فهذا السر المسيتكي الفائق للوصف و الإدراك يفوق كل فكر جسدي و مادي.
 لنخلع الإنسان العتيق و لننتحرر من عبوديته، و نلبس الجديد الفاخر ..  لنسلك حسب الروح لا حسب الجسد:
"أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَ تَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَ تَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ." (رسالة معلمنا بولس الرسول لأهل أفسس ٤: ٢٢-٢٤)
[لذلك فلنتوسل إلى الله أن ينزع منا الإنسان العتيق ويجردنا منه، ويلبسنا المسيح السماوي، هنا ومن هذه اللحظة الحاضرة، حتى اذ نكون في فرح وبهجة، واذ نكون منقادين بروحه، فاننا سنكون في هدوء وسلام عظيم.] (107)
القديس مقاريوس الكبير

"فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ." (رسالة معلمنا بولس الرسول لأهل غلاطية ٥: ١) ... "اسْلُكُوا بِالرُّوحِ" (رسالة معلمنا بولس الرسول لأهل غلاطية ٥: ١٦)
فلا يصح أبدًا أن نخضع لنير العبودية بعدما قد تحررنا منه بواسطة الميلاد الجديد الذي نلناه في المعمودية، و ولدنا من الله. لقد صرنا في حالة النعمة أو الحالة الفائقة للطبيعة التي رفعنا الله إليها، و التي تُشركنا على نوعٍ ما في الطبيعة الإلهية. حالة النعمة التي هي الحياة الإلهية التي تنعش أرواحنا و تأتينا من الثالوث المقدس مصدرها بواسطة يسوع، الحياة التي تجعلنا، لا مساويين لله، و لكن تجعلنا متصلين به و شركاء في حياته (108).
"وَأَمَّا هِبَةُ (نِعْمَةُ) اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رسالة معلمنا بولس الرسول لأهل رومية ٦: ٢٣) ... "فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ" (رسالة معلمنا بولس الرسول لأهل غلاطية ٢: ٢٠) ... "أَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ" (رسالة معلمنا بولس الرسول لأهل فيلبي ١: ٢١)

لنصلي بلجاجة إلى الله طالبين معونته و اقتناء صورته الإلهية، و لنتخل عن كل ما هو أجنبي عن النور الإلهي، كما يُعلمنا القديس مقاريوس الكبير:
[-لذلك فمن يريد و يشتهي أن يصير شريكاً في المجد الالهي، وأن يرى كما في مرآة صورة المسيح في داخل عقله، فينبغي أن يطلب معونة الله التي تتدفق منه بقوة - يطلبها بحب مشتعل لا ينطفئ وبرغبة حارة من كل قلبه وكل قدرته، ليلاً و نهارًا هذه المعونة الإلهية التي لا يمكن نوالها، كما قلت سابقًا إن لم يتخل الإنسان عن لذة العالم وعن شهوات ورغبات القوة المعادية، والتي هي أجنبية عن النور ومخالفة له وهي من نشاط وعمل الشرير، وليس لها أي قرابة أو مشابهة لعمل الصلاح بل هي غريبة تمامًا عنه.] (109)

فتغيرنا لن يأتي فقط من قناعتنا بأنَّ المسيح هو مثال أخلاقي جدير بالاقتداء به ، ولكن من اقتبالنا حياته داخلنا ، و اتحادنا به في الإنسان الداخلي لتسري عصارة الخلاص المحيية في خلايا وجودنا الإنساني ليل نهار ... فنتغير (110). فحقًا، الحياة المسيحية هي حياة نمو مستمر، تحول مستمر، رحلة مستمرة من كون الإنسان على صورة الله إلى أن يصير على "مثال الله" (111)، و يتألَّه باشتراكه في حياة المسيح الإله، و ذلك بواسطة الإيمان و سري المعمودية و الإفخارستيا (112). و كما يقول القديس كيرلس الكبير:
[كل من اشترك في المسيح بالاشتراك في جسده و دمه، يجب عليه أن يكون له فكر المسيح و أن يتبع خطواته و أن يحيا مثله] (113)

نعم، هذه هي حياتنا في المسيح كما يجب أن تكون ..غايتنا هي أن نحيا حياة المسيح بالفعل و ليس كمجرد انفعالات و مشاعر مؤقتة تزول بمرور الوقت. فكنيستنا،كما تُعملنا، لا تعيش في مجموعة انفعالات عاطفية، كمثل أن تنظر لتمثال مؤثر جدًا لصليب المسيح فتتأثر به و هكذا، لكن نحن نعيش في حضن الآب، نحن أعضاء جسد المسيح و به صرنا أولادًا للآب السماوي (114).

و أخيرًا، لنقف أمام مقولة أنبا مقار الكبير هذه التي لا أجد سواها مناسبًا لأختم به هذا البحث..
هل كل ما كتبته من أسطر و اقتباسات، و هل ما قرأتموه من روحانيات و إيمانيات، هل هي مجرد كلمات ؟! أم حياة و علاقة نحياها و نجتني ثمارها ؟!

[لذلك فحينما تسمع بهذه الأشياء أنظر إلى نفسك جيداً، هل انت حاصل على هذه الاشياء ومالك لها بالفعل والحق في داخل نفسك أم لا؟ فانها ليست مجرد كلمات تقال بل هي فعل الحق الذي يحدث في داخل نفسك. فان لم تكن مالكاً لها بل انت معدم من مثل هذه الخيرات الروحانية، ينبغي لك ان تكتئب وتحزن وتسعى بلهفة كانسان لا يزال ميتاً ومنفصلاً عن الملكوت وكانسان مجروح اصرخ دائماً إلى الرب واطلب منه بايمان ان يمنحك انت شخصياً هذه الحياة الحقيقية.] (115)

و لربنا المجد الدائم إلى الأبد، آمين.


بنعمة الله،
چورچ نسيم سامي

إقرأ أيضًا "تناول المرأة من الأسرار المقدسة أثناء فترة الطمث .. (تحليل شخصي)" الذي يناقش قصة نازفة الدم و هل هي مسند و مرجع لمن يعارضون تناول المرأة أثناء فترة الطمث.
كما يحتوي المقال أيضًا على روابط لمقالات رائعة عن فكر الديسقولية و فكر القديس أثناسيوس و آباء الكنيسة تجاه الإفرازات الجسدية و هل تعيق الإنسان عن التناول من الأسرار المقدسة، أشجعكم على قرائتها.

--------------------------------------------------------------
المراجع:
(49)      القديس اثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين ١ : ٩.
(50)      القديس اثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين ١ : ١٦.
(51)      القديس أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ٣: ٢٤.
(52)      القديس أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ٣: ٢٥.
(53)      القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الأولى إلى سرابيون، فقرة ٢٣.
(54)      القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الأولى إلى سرابيون، فقرة ٢٤.
(55)      القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الأولى إلى سرابيون، فقرة ٢٥.
(56)      القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الأولى إلى سرابيون، فقرة ٣٠.
(57)      القديس كيرلس الكبير، عن كتاب "عقيدة القديس كيرلس السكندري و روحياته" (بالفرنسية) للأب العالم هـ. دي مانوار صفحة ٣٢٤.
(58)   القديس كيرلس الكبير، شرح إنجيل يوحنا، الجزء الثامن، صفحة ١٢٦.
(59)   القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل يوحنا ١٧: ٢٠، ٢١.
(60)   القديس كيرلس الكبير، تفسير يو ١ :١٣.
(61)   القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل يوحنا ١: ١٤.
(62)   القديس كيرلس الكبير، المقالة الثالثة ضد نسطور.
(63)   القديس كيرلس الكبير، ألوهية الروح القدس، صفحة ١١.
(64)   القديس كيرلس الكبير، الكنوز في الثالوث، ٢٠.
(65)   القديس كيرلس الكبير، ألوهية الروح القدس، صفحة ٢١.
(66)   القديس كيرلس الكبير، ألوهية الروح القدس، صفحة ٣٣.
(67)   القديس كيرلس الكبير، ألوهية الروح القدس، صفحة ٣٤.
(68)   القديس كيرلس الكبير، الحوار السابع حول الثالوث.
(69)   القديس كيرلس الكبير، العظة الفصحية ١٠: ٢.
(70)   القديس كيرلس الكبير، شرح انجيل يوحنا ج ١ صفحة ١٣٠.
(71)   القديس غريغوريوس النزينزي، عظة عن يوم الخمسين ٤١: ١١.
(72)   القديس كيرلس الكبير، السجود والعباة بالروح والحق، المقالة ١١.
(73)   دكتور عدنان طرابلسي، الرؤية الارثوذكسية للانسان، الانثروبولوجيا الصوفية صفحة ١٩٤.
(74)   الأسقف كاليستوس وير، الطريق الأرثوذكسي صفحة ٣١ و ٣٢ .
(75)   القديس غريغوريوس النزينزي، ميمر الظهور الإلهى.
(76)   العلامة ديديموس الضرير، عن الروح القدس ١٧.
(77)   دكتور چورچ حبيب بباوي، الاتحاد الأقنومي وسر الإفخارستيا، ص ٣.
(78)   دكتور وهيب قزمان، النعمة عند القديس اثناسيوس ص ٩١-٩٢.
(79)   دكتور چورچ حبيب بباوي، الشركة في الطبيعة الإلهية، صفحة ١٠.
(80)   القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٥: المقدمة.
(81)   القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٣: ١٨: ٧.
(82)   القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل يوحنا ١٥:١-٤.
(83)   القديس هيلاري أسقف بواتيه، تفسير المزمور ٥١: ١٧.
(84)   القديس هيلاري أسقف بواتيه، الثالوث ٩: ٨.
(85)   القديس مقاريوس الكبير، العظة ٣٤، فقرة ٢.
(86)   القديس غريغوريوس النيصي، الرسالة الثالثة- رسائل القديس غريغوريوس النيصي، تعريب الاب حنا الفاخوري صفحة ٤٨-٤٩.
(87)   القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٤: ١٤: ١.
(88)   القديس أثناسيوس الرسولي،  المقالة الثالثة ضد الآريوسيين، فقرة ٣٣.
(89)   القديس مقاريوس الكبير، العظة ١٥، فقرة ٢.
(90)   القديس ساويرس الأنطاكي، مقال عن الميلاد.
(91)   القديس يوحنا ذهبي الفم، شرح متى  ١: ١، عظة ٢: ٣.
(92)   القديس كيرلس الأورشليمي، العظة الثالثة عن الأسرار، فقرة ١.
(93)   القديس مقاريوس الكبير، عظة ٣٠، فقرة ٢ و ٣.
(94)   القديس يوحنا ذهبي الفم، العظة ٣٢، الفصل السادس.
(95)   القديس يوحنا ذهبي الفم، عظة ٢٧ على الصليب.
(96)   القديس كيرلس الأورشليمي، عظة ١٨.
(97)   القديس كيرلس الكبير، شرح قانون الايمان عظة ٥٥: ٣٩.
(98)   القديس سمعان اللاهوتي، Vie Spirituelle , XXVII. 3, juin 1931, pp. 309-310.
(99)   قداسة البابا شنودة الثالث، كتاب حياة التوبة والنقاوة، الفصل الأول: إن عرفت من أنت تسمو عن الخطية.
(100)   القمص تادرس يعقوب ملطى،  تفسير وتأملات الآباء الآوليين لسفر التكوين صفحة٥٤.
(101)   المسيحية عبر تاريخها في المشرق، نشوء الفكر المسيحي: الفكر اللاهوتي في مدرسة الإسكندرية، القمص تادرس يعقوب ملطي ص١٢٠.
(102)   القمص تادرس يعقوب ملطي، كتاب الاصطلاحان "طبيعة" و "أقنوم" في الكنيسة الأولى صفحة ٢٦.
(103)   الراهب باسيليوس المقاري، كتاب دراسات في آباء الكنيسة صفحة ٦٢٦.
(104)   عن مقال "التأله" للأب أنتوني كونياريس
The Divinization of the Christian According to the Greek Fathers, by Jules Gross, translated by Paul A. Onica, and published by A and C Press. Anaheim, CA. 2002.
(105)   القمص متي المسكين، كتاب يوم الخمسين في التقليد الابائي ، صفحة ١٣.
(106)   القمص متى المسكين، كتاب "ألقاب المسيح"، (١- المسيح).
(107)   القديس مقاريوس الكبير، العظة ١٤، فقرة ٣.
(108)   الأرشيدياكون حبيب جرجس، بحث في سقوط الإنسان، المقال الأول بعنوان "العطايا الفائقة للطبيعة".
(109)   القديس مقاريوس الكبير، عظة ٢٥، فقرة ٣.
(110)   الراهب سيرافيم البراموسي، تدوينة على موقع التواصل الإجتماعي  Facebook.
(111)   عن مقال "التأله" للأب أنتوني كونياريس.
(112)   المطران كيرلس  سليم بسترس، كتاب  اللاهوت المسيحي و الانسان المعاصر الجزء الثاني صفحة ١٥٧.
(113)   القديس كيرلس الكبير، السجود و العبادة بالروح و الحق، كتاب ٦ :٥٦٩).
(114)   أبونا بيشوي كامل، عظة عن الإيمان.
(115)   القديس مقاريوس الكبير، العظة ١، فقرة ١٠.