Saturday 25 August 2018

أنت أعظم من السماء- في تعليم العظيمين أوريجينوس وذهبيّ الفم




الطبيعة الإلهيَّة ليسَ لها جسد؛ الله لا يسكن في مكانٍ ماديّ جغرافيّ يُدعى السماء، بل يسكن ‏في قلب الإنسان:‏
‏[غير الروحيِّين الذين لا معرفة لهم باللاهوت، إنْ قَرَأَ هؤلاء في الأسفارِ الإلهيَّة أنَّ: «السَّمَاءُ ‏عَرْشِي وَالْأَرْض مَوْطِئ قَدَمِيَّ» (أشعياء ٦٦: ١)، ‏‏يتصوَّرونَ أنَّ الله إلى هذا الحدِّ تَصِل ضخامة ‏جسده حتَّى أنَّهم يفهمون أنَّهُ يجلسُ في السماءِ ويَمدُّ ‏قدميهِ حتَّى الأرضِ.
ولكنَّهم يُفكِّرون هكذا لأنَّهم لا يَملكون تلك الآذان التي تستطيع بجدارِة (وتمييز) أنْ تَسْتَمِعَ ‏‏إلى الكلماتِ الإلهيَّة المكتوبة عن الله في الأسفارِ المُقدسَّة.
لأنَّ عبارة «السَّمَاءُ عَرْشِي وَالْأَرْض مَوْطِئ قَدَمِيَّ» تُفْهَم ‏بجدارةٍ عن الله على النحو الآتي: أنْ نعرفَ نحنُ أنَّ الله يرتاح ويُقيم في هؤلاء الذين «مَوْطِنُهُمْ فِي السَّمَاءِ» (فيليبي ‏‏٣: ٢٠).
أمَّا في حالة هؤلاء الذين لايزالوا منشغلين بالأرضيَّات، فالجزء الأبعد مِنْ عنايتِهِ ونعمتِهِ هو ما ‏يُوجَد فيهم، وهو ما يُشار إليه رمزيًّا بقدميهِ.]‏
‏   العلَّامة أوريچينوس‏، العظة الأولى على سفر التكوين، فقرة ١٣ ‏ ‏
‏--------------------------------------------------------------‏
‏ ‏
الصلاة تُزيِّن الإنسان جاعلةً إيَّاة سماءً لله:‏
‏ ‏[البشر هُم هياكل المسيح. فكما تُصنَع بيوت الملوك بالذهب والأحجار الكريمة والمرمر، هكذا ‏الصلاة تصنع هياكل المسيح. يقول الرسول بولس: «لِيَحِلَّ ‏الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ» (أفسس ‏‏٣: ١٧). وأيّ مدح تُمدَح به الصلاة أعظم مِن أنَّها تصنع هياكل الله؟  هذا الذي ‏لا تسعه ‏السموات يأتي ويسكن في النفس بالصلاة. «السَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي، وَالأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ ‏الْبَيْتُ الَّذِي تَبْنُونَ لِي؟ وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟» (أشعياء ‏‏٦٦: ١).]‏
‏ القدِّيس يوحنَّا ذهبيّ الفم‏، عظة على الصلاة
‏--------------------------------------------------------------‏
‏ ‏
ما الذي يجعلني مهتمَّا ومنشغلًا بالصعود إلى السماء إنْ كنتُ أنا نفسي سأصيرَ سماءً؟ ‏
‏[يُقال عن الله أنَّهُ في السماء (‏Heaven). ما السبب وراء ذلك؟ ليسَ لأنَّهُ محدود  بحيِّزٍ أو ‏مساحة، حاشا، ولا كأنَّهُ قد ترك الأرض مقفرَّة ومُعدَمة مِنْ وجودِهِ، ولكن بحسب علاقتِهِ وألفته ‏بالملائكة.
فإنْ كنَّا على مقربةٍ مِنَ اللهِ، فنحنُ إذًا في السماء.
فما الذي يجعلني مُهتمًّا ومنشغلًا ‏بالصعود إلى السماء إنْ كنتُ أرى ربَّ السماء ذاته، وإنْ كنتُ أنا نفسي سأصيرَ سماءً؟ لأنَّهُ ‏يقول: ‏«إِلَيْهِ نَأْتِي‏‏»‏ أنا والآب، ‏«وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً‏‏»‏ (يو ١٤: ٢٣).
فلنجعل أرواحنا سماءً، إذًا... لقد قلتُ سابقًا أنَّهُ يُمكننا أنْ نُصبحَ سماءً؛ إلَّا أنَّني أرى أنَّهُ ‏يُمكننا أيضًا أنْ نكونَ أعظم مِنَ السماء. كيف؟ حينما نحوزُ على الربِّ...
فكيف إذًا يُمْكِن لِمَنْ يَمشي على الأرضِ، أنْ يرتفعَ إلى هذا العلوّ؟... أقصد هؤلاء الذين هم ‏مثل القدِّيس بولس على سبيل المثال، بالرغم مِنْ أنَّهُم كانوا على الأرضِ، إلَّا أنَّهم عاشوا في ‏السماء. لماذا أقول "في السماء"؟ لأنَّهم كانوا أعلى مِنَ السماءِ، وصعدوا عاليًا إلى الله نفسه... فهل ‏رأيتم كيف ارتقى ذهن الرسول بولس عاليًا؟]‏
‏  القدِّيس يوحنَّا ذهبيّ الفم، العظة رقم ١٦ على الرسالة إلى العبرانيِّين، فقرة ٧ و٨ و٩‏
‏--------------------------------------------------------------‏
‏ ‏
الأرضَ لَنْ تُصبح أرضًا فيما بعد لأنَّ الكلَّ سيصيرَ سماءً: ‏
‏[حينما يُعلِّمنا المخلِّص أنْ نُصلِّي لأجل أنْ تَتِمُّ مشيئةُ الآب «كما في السماء كذلك على الأرض»، ‏فإنَّهُ لا يوصي بالصلاة مِنْ أجلِ مَا هو مكانيًّا (جغرافيًّا) «على الأرض» ليكون مثل ما يوجد في ‏المواضع السمائيَّة، ولكنَّه بالأحرى، بالشرح الذي أعطانا إيَّاه عن الصلاةِ، يريد كلَّ ما «على ‏الأرض»... أنْ يكونَ «سماءً‏»‏. 
فالإنسان الذي يُخْطئ، أيًّا كان موضعه (المكانيّ/الجغرافيّ)، هو «أرض» .. أمَّا مَنْ يعمل إرادة الله ‏ولا يعصى الوصايا الروحيَّة، فهذا «سماء‏»‏... 
لذلك، فإنْ كانت مشيئة الله تّتِمُّ «على الأرض كما في السماء»، فإنَّ «الأرضَ» لَنْ تُصبح «أرضًا» ‏فيما بعد لأنَّ الكلَّ سيصيرَ «سماءً».]‏‏ ‏
العلَّامة أوريجينوس، على الصلاة: الفصل ٢٦، فقرة ٦ ‏
‏--------------------------------------------------------------‏
‏ ‏
‏ ‏
‏ بنعمة الله، ‏
چورچ نسيم سامي ‏
‏ ‏
 ‏ ‏