جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ (متى ١٧:١) (مرقس ٩:٢) (لوقا
٩:٢٨)
كي نراه متجلياً في حياتنا تحكي القصة الواقعية- التي
يمكن أن نجعلها تحدث يومياً أمام أعيننا -أنه حينما أراد الحبيب أن يتجلى ببهاءه
أمام ثلاثة من تلاميذه، أخذهم و صعدوا على جبل عال منفردين، لذلك حينما نريد أن
نراه متجلياً في حياتنا اليومية، يجب علينا أن نصعد على جبل عال منفردين ..هذا
الجبل العالي في حياتنا قد يكون المخدع، قد يكون منظر طبيعي، قد تكون الشرفة
المتطلعة إلى السماء، قد يكون حضن الآب في هيكله .. فأي مكان
يرتقي بنا عن العالم و ازدحامه هو جبلنا العالي الذي نرى فيه مسيحنا متجليا، لذا
يوصي طقس كنيستنا- العاشقة لتفاصيل علاقة الحب هذه- أن تُبنى الكنيسة مرتفعة
عن العالم بسلالم، فـنرتقي عنه حينما نرتفع على جبلنا العالي منفردين مع الحبيب،
ناسين زحمة هذا العالم.
وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ (متى ١٧:٢) (مرقس
٩:٢) (لوقا ٩:٢٩)
حينئذ تتغير قدامنا هيئة الإله المرعب (الكاشر عن أنيابه
ليلقينا كلنا في العذاب الأبدي متى أغضبناه و يشوينا في النار) لتظهر لنا و
قدامنا نحن فقط، الذين معه على الجبل منفردين، هيئته الجديدة، و التي كان يقدر أن
يرتفع و يظهرها للكل مبيناً لهم قدرته الخارقة للطبيعة و يطير حول الكرة الأرضية
كـ"سوبر مان"، و لكنه لم يفعل. هو يُظهر هيئته فقط لمن هم منفردين معه.
وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ
بَيْضَاءَ كَالنُّورِ (متى ١٧:٢) (مرقس ٩:٣) (لوقا ٩:٢٩)
وتكون هذه هيئته الجديدة التي
نعاينها … هيئته الرقيقة، المنيرة لنا طريقنا - طريق الحق- المتجلية في مجد
و بهاء غير متناهي، و كأننا حينما نلامسه في قداسنا أو خلوتنا يومياً
تنفتح أعيننا لنرى السماء الممتلئة بالشاروبيم والسيرافيم وربوات وجيوش الملائكة
المنيرين، المستمدين نورهم من هذا المضيء كالشمس الذي نتناوله بداخلنا و
الذي ثيابه بيضاء كالنور، لأن جميع طرقه هي نور وحق .. فـهو الوحيد
الأبيض النقي، بدون شوائب .. بدون بقاع من السواد.
فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ،
جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ (متى
١٧:٤) (مرقس ٩:٥) (لوقا ٩:٣٣)
بالرغم من كل هذا الارتقاء، لا نزال نحن منتعلين بنعل
الأرض. فـمن التراب نحن و منه تفكيرنا وعقولنا، فـيظن كل منا أن الله ينتظر منا
الخدمة المتمثلة فيما نخرجه من جيوبنا للصندوق أو كلمة أو خدمة لمحتاج أو مظال
لمساكين، و نقول له :"ها نحن هنا لنقدم لك يارب"، و لكن و بالتأكيد ليس
هذا ما رفعنا الله لأجله، بل لنتمتع به.
سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ
السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ
اسْمَعُوا» (متى ١٧:٥) (مرقس ٩:٧) (لوقا ٩:٣٤-٣٥)
فمازال يظللنا برعايته النيرة رغم جهلنا، فـهذا ما
يريده منا… "مسيحية لا تَدَيُّن. مسرتي ليست في خدماتك، فـأنا لست في
حاجة إليها، بل بالحري مسرتي في جلستك في ظلي، في حضن ابني و له تسمع لأن الحاجة،
فقط، إلى واحد."
وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى
وُجُوهِهِمْ (متى ١٧:٦)
هنا ننتقل إلى جزء مهم في رحلتنا هذه حينما ندرك عظمة و
بهاء وجلال ما نعاينه. فـيقول الشماس "اسجدوا لله بخوف و رعدة". فـنسقط
ارتعاداً، نسقط خجلاً، نسقط معترفين اننا لسنا سوى تراب و هو قد مجدنا و رفعنا إليه، فـاتضاعنا ليس إلا
اعترافاً بحقيقتنا، و حينئذ نبلغ مبتغانا.
فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ
تَخَافُوا» (متى ١٧:٧)
فهو لا يلمسنا فقط ، و لكنه يتحد بنا يومياً فـكيف
إذاً لا ننهض؟! كيف نخاف بعد و هوالمالك الكل ؟! كيف لا نشعر بتجليه امامنا
الدائم؟! كيف نقرأه كأنه حدث وانتهى مع التلاميذ ولا نتذكر
دائما أنه في كل سقطة نقوم ؟!
فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ
يَسُوعَ وَحْدَهُ (متى ١٧:٨)
فـكثيراً بعد ما يقيمنا، لا نرى سوى يده التي أقامتنا
ولا نرى سواه حولنا يرتب ما قبل و ما خلال و ما بعد كل سقطة ليكون لنا نور في
طريقنا.
فـيا ليتنا نعيش كل قداس وكل خلوة كلحظة تجلي في قصة حب
يومية...
بنعمة الله،
مارينا هاني فاضل
No comments:
Post a Comment