Saturday 22 August 2015

كنت ضالاً فوجدت !


يا سيدي، لقد فككت أسري و كسرت قيودي و وهبتني نعمة البنوة لك و ضممتني إلى خاصتك و بيتك، و وهبتني النعمة الغالية ... الحرية !!

و لكنني مع الأسف لم أقدر تلك النعمة و حولتها لنقمة و على الفور طلبت منك نصيبي في الميراث و تمردت عليك و عصيتك و لعنت اسمك و أبغضت أبوتك و تركتك و رحلت ... رحلت بعيداً ... بعيداً عنك أنت حيث يمكنني أن أشعر بحريتي  !!

طوال الطريق كنت على وشك أن ألمس السحاب من سعادتي و كنت أرقص و أهتف و أغني .. و بمجرد وصولي لمدينة بعيدة، تنفست الصعداء و صرخت بأعلى ما لدى من صوت "أخيراً ... لقد أصبحت حراً بالفعل!!" يا لغباوتي و جهلى !!

رحت أسرف هنا و أسرف هناك و ألعب و أغني و أأكل و أشرب و ألبس و أرقص حتى نفذ الميراث و أصبحت مُفلساً !!
لم يكن أمامي سوى أن أرعى الخنازير، لأسد شيئاً من جوعي فقط ... حتى الخروب الذي كانت تأكله الخنازير ... اشتهيته ... نعم اشتهيته !!

شعرت بأنه لا فرق بيني و بين من أرعى .. فتلك الخنازير بمجرد أن أنتهي من تنظيفها من الطين كانت تجري و تتمرمغ فى الطين مرة أخرى .. مثلي !!  نعم مثلي .. تعشق الطين و الرائحة الكريهة و تكره النظافة و الطهر !!

فكرت .. كيف لي أن أكون قد وُهبت نعمة البنوة لسيد الجميع و أنا هنا فى المزبلة ؟! و لكن من المؤكد أنني لم أعد مقبولاً ولا محبوباً و أصبحت غير مرغوب فى بيت أبي و إن رآني سيقتلني !! أأرجع و أعمل كعبد لدى أبي ؟! فأقل أجير فى بيت أبي يعتبر منزهاً بالمقارنة مع وضعى الحالي .. نعم سأرجع و أطلب أن أكون أحقر عبد لديه .. نعم سأرجع !!
لم يكن لدى شيئاً لأحمله معي فى طريق العودة .. لا ملبس ولا مأكل .. لا شئ !! 

و لكن لحظة .. ماذا سأقول له عندما يراني !! نعم .."يا أبي،  قد أخطأت فى السماء و قدامك و لست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً بل اجعلني كأحد أجراك" .. نعم لا يوجد أفضل من هذا القول !!

و بالفعل رجعت .. و بمجرد اقترابي رآيته واقفاً يراقب طريق العودة كمن ينتظر شخصاً سيآتي و هو يعلم يقيناً أنه آتٍ .. هل هذا الشخص هو أنا ؟؟! بالطبع لا بل مستحيل ..

رآني أبي ..  فهرع نحوي .. بالتأكيد سيبرحني ضرباً و أنا أستحق ولا أمانع لأنني ابن عاق !! اقترب أكثر و أكثر و أكثر فسجدت أمامه من الخوف و الرعدة .. فوجدته يقيمني و يحتضنني و هو يبكي من الفرح و ينهج من السعادة  !!!! لم أجد كلاماً مناسباً أمام هذا الحب العجيب .. فقلت بصوت مشروخ مختلط بالدموع: "يا أبي،  قد أخطأت فى السماء و قدامك و لست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً ... " فلم يدعني أُكمل حديثي و قبلني و ألبسني ثياب جديدة و وضع خاتماً فى إصبعي و حذاء فى رجلىًّ و أمر بذبح العجل المثمن و كان يصرخ من السعادة و يقول "ابني هذا كان ميتاً فعاش و كان ضالاً فوجد !!"

بنعمة الله،

چورچ نسيم سامي

No comments:

Post a Comment